الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ إِلاَّ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقِيَاسَ قِيَاسٌ آخَرُ مِثْلُهُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ إذَا بَلَغَ لاَ مَدْخَلَ لأََبِيهِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ فِي إنْكَاحِهِ أَصْلاً، وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِخِلاَفِ الْأُنْثَى الَّتِي لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ: إمَّا بِإِذْنٍ، وَأَمَّا بِإِنْكَاحٍ، وَأَمَّا بِمُرَاعَاةِ الْكُفْءِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. قال أبو محمد: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّغِيرَيْنِ أَبَوَاهُمَا فَهُمَا بِالْخِيَارِ إذَا كَبَرَا، وَلاَ يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ. وبه إلى مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّبِيَّيْنِ أَبَوَاهُمَا فَمَاتَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَا فَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَعْمَرٌ: سَوَاءٌ أَنْكَحَهُمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا، أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَهِيَ فِي حُكْمِ الَّتِي لاَ أَبَ لَهَا؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلاَيَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ الَّتِي أَسْلَمَ أَبُوهَا وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَقَلَ: رَجَعَتْ إلَى حُكْمِ ذَاتِ الأَبِ لِدُخُولِهِ فِي الأَمْرِ بِإِنْكَاحِهَا وَاسْتِئْذَانِهَا. وَالأَمَةُ الصَّغِيرَةُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لَيْسَ لَهَا أَبٌ فَلاَ يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إنْكَاحُهَا، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ إِلاَّ فِي الأَبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لأََبِيهَا وَإِنْ كَانَ حُرًّا إنْكَاحُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، لأََنَّهُ بِذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى سَيِّدِهَا، إذْ هِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلاَ إذْنَ لِلْوَصِيِّ فِي إنْكَاحٍ أَصْلاً، لاَ لِرَجُلٍ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ: صَغِيرَيْنِ كَانَا، أَوْ كَبِيرَيْنِ، لأََنَّ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الذَّكَرَ مِنْهُمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهُ أَبٌ، وَلاَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ الْأُنْثَى مِنْهُمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهَا إِلاَّ الأَبُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْكَبِيرَانِ فَلاَ يَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ عَاقِلَيْنِ. فَإِنْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لاَ يُنْكِحُهَا أَحَدٌ، لاَ أَبٌ، وَلاَ غَيْرُهُ. وَأَمَّا الْعَاقِلاَنِ الْبَالِغَانِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْحَجْرِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ: لاَ مَدْخَلَ لِلْوَصِيِّ فِي الْإِنْكَاحِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ فَإِنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَنَعَ يَتِيمًا لَهُ النِّكَاحَ فَزَنَى فَالْإِثْمُ بَيْنَهُمَا قلنا: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيِّ ذِكْرٌ وَقَدْ يَكُونُ أَرَادَ سَيِّدَ الْعَشِيرَةِ يَمْنَعُ يَتِيمًا مِنْ قَوْمِهِ النِّكَاحَ ظُلْمًا. وَمَنْ أَوْصَى إذَا مَاتَ أَنْ تُزَوَّجَ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ أَوْ الْبَالِغُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ فَاسِدَةٌ لاَ يَجُوزُ إنْفَاذُهَا. برهان ذَلِكَ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا مَاتَ أَبُوهَا صَارَتْ يَتِيمَةً وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لاَ تُنْكَحَ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلَيْسَ لأََبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَكَيْفَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ وَلَيْسَ مِنْ تِلْكَ الثَّلاَثِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلاَّ بِاسْمِ الزَّوَاجِ أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ التَّمْلِيكِ، أَوْ الْإِمْكَانِ. وَلاَ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَبِلَفْظٍ غَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، أَوْ بِلَفْظِ الأَعْجَمِيَّةِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ وَيُحْسِنُهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَدْ أَنْكَحْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَكِلاَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلِ: قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ فِيهِ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ. قال أبو محمد: فإن قيل: فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ فَقَالَ فِيهِ قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا. وَرَوَاهُ: زَائِدَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ، فَقَالُوا فِيهِ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ مَوْطِنٌ وَاحِدٌ، وَرَجُلٌ وَاحِدٌ، وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى نَا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ أَعَادَهَا ثَلاَثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ فَصَحَّ أَنَّهَا أَلْفَاظٌ كُلُّهَا قَالَهَا عليه الصلاة والسلام مُعَلِّمًا لَنَا مَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: إنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ ": قال أبو محمد: وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؛ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَصَحَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " بَاطِلٌ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْعَجَبُ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْهِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ إنَّمَا هِيَ إذَا كَانَتْ بِلاَ صَدَاقٍ، فَكَانَ هَذَا زَائِدًا فِي الضَّلاَلِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْكَذِبِ، وَالدَّعَاوَى فِي الدِّينِ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ أَتَوْا إلَى الْمَوْهُوبَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهَا لِرَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلُوهُ عُمُومًا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إبَاحَةِ النِّكَاحِ بِخَاتَمٍ حَدِيدٍ، وَبِتَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَجَعَلُوهُ خُصُوصًا لَهُ فَلَوْ عَكَسُوا أَقْوَالَهُمْ لاََصَابُوا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
1832 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَتِمُّ النِّكَاحُ إِلاَّ بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ بِإِعْلاَنٍ عَامٍّ، فَإِنْ اسْتَكْتَمَ الشَّاهِدَانِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالاَ :، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْمُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الْإِمَامَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ الْحَاكِمُ: ثُمَّ سَأَلْت أَبَا عَلِيٍّ فَحَدَّثَنِي قَالَ :، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَجَّاجَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ. قال أبو محمد: لاَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، غَيْرُ هَذَا السَّنَدِ يَعْنِي ذِكْرَ شَاهِدَيْ عَدْلٍ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِصِحَّتِهِ. فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ النِّكَاحَ بِالْإِعْلاَنِ الْفَاشِي، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ، وَبِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ قلنا: أَمَّا الْإِعْلاَنُ: فَلأََنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ فِي خَبَرٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ عَدْلٌ صَادِقٌ بِلاَ شَكٍّ، فَإِذَا أُعْلِنَ النِّكَاحُ، فَالْمُعْلِنَانِ لَهُ بِهِ بِلاَ شَكٍّ صَادِقَانِ عَدْلاَنِ فِيهِ فَصَاعِدًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيهِمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا أُخْبِرَ عَنْهُمَا غَلَبَ التَّذْكِيرُ. وَأَمَّا الأَرْبَعُ النِّسْوَةِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ بِنِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ [ بِإِسْنَادِهِ ] فِي " كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ". وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إذَا اُسْتُكْتِمَ الشَّاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ. قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلاَنِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ: النَّاكِحُ، وَالْمُنْكِحُ، وَالْمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ قَالَ الشَّاعِرُ: أَلاَ كُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اثْنَيْنِ شَائِعٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: السِّرُّ يَكْتُمُهُ الأَثْنَانِ بَيْنَهُمَا وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الاِثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ وَمَنْ أَبَاحَ النِّكَاحَ الَّذِي يُسْتَكْتَمُ فِيهِ الشَّاهِدَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؛ وَأَصْحَابُهُمْ. وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ، لَكِنْ بِأَنْ يَسْكُتَ جُمْلَةً فَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لاَ صَدَاقَ عَلَيْهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لاَ صَدَاقَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إبْطَالُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَالنِّكَاحُ الْمَذْكُورُ لَمْ تَنْعَقِدْ صِحَّتُهُ إِلاَّ عَلَى تَصْحِيحِ مَا لاَ يَصِحُّ، فَهُوَ نِكَاحٌ لاَ صِحَّةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِذَا طَلَبَتْ الْمُنْكَحَةُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا صَدَاقٌ قُضِيَ لَهَا بِهِ، فَإِنْ تَرَاضَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا بِشَيْءٍ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، فَهُوَ صَدَاقٌ، لاَ صَدَاقَ لَهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ قُضِيَ لَهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا أَحَبَّ هُوَ أَوْ هِيَ، أَوْ كَرِهَتْ هِيَ أَوْ هُوَ. برهان ذَلِكَ: أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي صِحَّةِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْمٌ فِي بَعْضِ الأَعْدَادِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُمْ سَاقِطٌ نُبَيِّنُهُ بَعْدُ، بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا الصَّدَاقَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى لَهَا بِهِ إذَا طَلَبَتْهُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ مَا طَلَبَتْهُ هِيَ، إذْ قَدْ تَطْلُبُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُلْزَمَ هِيَ مَا أَعْطَاهَا، إذْ قَدْ يُعْطِيهَا فَلْسًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِلْزَامِهَا ذَلِكَ، وَلاَ بِإِلْزَامِهِ مَا طَلَبَتْ، فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ صَدَاقُ مِثْلِهَا، فَهُوَ الَّذِي يُقْضَى لَهَا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلاَ يَلْزَمُهَا حُكْمُ أَبِيهَا فِي ذَلِكَ وَتَبْلُغُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلاَ بُدَّ. برهان ذَلِكَ: أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فَإِذْ هُوَ حَقٌّ لَهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ مَالِهَا، فَلاَ حُكْمَ لأََبِيهَا فِي مَالِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى بِتَمَامِ مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى أَبِيهَا إِلاَّ أَنْ يَضْمَنَهُ مُخْتَارًا لِذَلِكَ فِي مَالِهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْعَبْدِ، وَلاَ لِلأَمَةِ أَنْ يَنْكِحَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا، فَأَيُّهُمَا نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَهُوَ زَانٍ، وَهِيَ زَانِيَةٌ، وَلاَ يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ كِلاَهُمَا عَنْ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاَهُ فَهُوَ عَاهِرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ. وَاسْمُ " الْعَبْدِ " وَاقِعٌ عَلَى الْجِنْسِ، فَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الرَّقِيقِ دَاخِلُونَ تَحْتَ هَذَا الأَسْمِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَالأَمَةُ مَالٌ لِسَيِّدِهَا فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَنِكَاحُهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى إنْكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ زِنًى، وَيَرَى عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَعَلَى الَّتِي نَكَحَ إذَا أَصَابَهَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَيُعَاقَبُ الَّذِينَ أَنْكَحُوهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ، وَضَرَبَهُ حَدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جُلِدَ الْحَدَّ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَرُدَّ الْمَهْرُ إلَى مَوْلاَهُ وَعُزِّرَ الشُّهُودُ الَّذِينَ زَوَّجُوهُ وَهَذَا مُسْنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ نَا مُغِيرَةُ، وَعُبَيْدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ: إذَا فَرَّقَ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا فَمَا وَجَدَ عِنْدَهَا مِنْ عَيْنِ مَالِ غُلاَمِهِ فَهُوَ لَهُ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا، وَقَالَ عُبَيْدَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ؛ وَمَا اسْتَهْلَكَتْ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهَا، قَالَ هُشَيْمٌ: وَهُوَ الْقَوْلُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّهُمَا قَالاَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُنْتَزَعُ الصَّدَاقُ مِنْهَا، وَمَا اسْتَهْلَكَتْهُ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا لَمْ تَسْتَهْلِكْهُ وَمَا اسْتَهْلَكَتْ فَلاَ شَيْءَ. وَمِمَّنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ، وَلاَ إجَازَةَ فِيهِ لِلسَّيِّدِ لَوْ أَجَازَهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: إنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَيْسَ زِنًى، بَلْ إنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ. وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ أَنَّهُ عَاهِرٌ لَيْسَ فِيهِ: إذَا وَطِئَهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إذَا لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ عَاهِرًا. قلنا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخَبَرُ بِلَفْظِ " إذَا نَكَحَ " كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا وَنَكَحَ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَخَاطَبَنَا بِهَا عليه الصلاة والسلام " يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَيَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ " فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الآخَرِ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا جَعَلَهُ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ وَنَكَحَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا تَفْرِيقَ السَّيِّدِ إنْ فَرَّقَ طَلاَقًا، وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يَخْلُو عَقْدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلاً. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلاَ خِيَارَ لِلسَّيِّدِ فِي إبْطَالِ عَقْدٍ صَحِيحٍ. وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَلاَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ تَصْحِيحُ الْبَاطِلِ. وَمَا عَدَا هَذَا فَتَخْلِيطٌ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ فَيُوقَفَ عِنْدَهُ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْ صِحَّتَهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَلاَ تَصِحُّ فِي هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ الَّتِي رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ لاَ تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَدْ خَالَفُوهَا أَيْضًا وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يُمَوِّهُ بِهَا مُمَوِّهٌ، وَهِيَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلاَقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، وَإِذَا نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلاَقُ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ :، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجُ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ وَالْمُغِيرَةُ، هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ وَيُونُسُ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَالْحُصَيْنُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ أَيْضًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ الْحُصَيْنُ، وَإِسْمَاعِيلُ: عَنْ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عُمَرَ، وَشُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إذَا تَزَوَّجَ بِأَمْرِ مَوْلاَهُ فَالطَّلاَقُ بِيَدِهِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالأَمْرُ إلَى السَّيِّدِ إنْ شَاءَ جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ. قال أبو محمد: الْعُمَرِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ ضَعِيفٌ وَالْحَجَّاجُ هَالِكٌ. وَمِنْ السُّقُوطِ وَالْبَاطِلِ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلاَءِ عَنْ نَافِعٍ رِوَايَةُ مِثْلِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ شُرَيْحٍ سَاقِطَةٌ، لأََنَّهَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، فَالرِّوَايَةُ عَنْهُمَا صَحِيحَةٌ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا خَالَفَاهُمَا فِي قَوْلِهِمَا فِي الْمَهْرِ، فَمَا نَعْلَمُهُمْ تَعَلَّقُوا إِلاَّ بِالْحَسَنِ وَحْدَهُ. وَلاَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ أَرَادَتْ إنْكَاحَ أَمَتِهَا أَوْ عَبْدِهَا أَمَرَتْ أَقْرَبَ الرِّجَالِ إلَيْهَا مِنْ عَصَبَتِهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاصِبٌ فَالسُّلْطَانُ يَأْذَنُ لَهَا فِي النِّكَاحِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ أَمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ، لاَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَلاَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَلاَ أَحَدِهِمَا مِنْ الآخَرِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ نِكَاحًا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وقال أبو حنيفة فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لاَ يُزَوِّجْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَرِهَا جَمِيعًا وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وقال مالك: يُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَعَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلاَ يُنْكِحْ أَمَتَهُ إِلاَّ بِمَهْرٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا فَيَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا، وَلاَ يُزَوِّجْ أَمَتَهُ الْفَارِهَةَ مِنْ عَبْدِهِ الأَسْوَدِ لاَ مَنْظَرَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالصَّلاَحِ يُرِيدُ بِهِ عِفَّةَ الْغُلاَمِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ بِالْجَارِيَةِ لَمْ يَجُزْ. قَالَ: وَيُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَقَةَ إلَى سِنِينَ عَلَى النِّكَاحِ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، لأََنَّهُ أَجَازَ إكْرَاهَ السَّيِّدِ لأََمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ، وَمَنَعَ مِنْ إنْكَاحِهَا الأَسْوَدَ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَأَجَازَهُ إنْ كَانَ وَكِيلَهُ وَأَرَادَ عِفَّتَهُ بِذَلِكَ: فَأَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهَا دَعَاوَى بِلاَ برهان. ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ فِي مَنْعِهِ إنْكَاحَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَلاَ ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلِمَ خَصَّ الأَسْوَدَ لَوْلاَ الْكَرَاهَةُ لَهُ، إذْ لَوْ رَاعَى الضَّرَرَ فَقَطْ لاَسْتَوَى إنْكَاحُهَا مِنْ قُرَشِيٍّ أَبْيَضَ وَمِنْ أَسْوَدَ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ إجَاعَةٍ غَيْرِ الْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ إكْرَاهِ الأَمَةِ فَأَجَازَهُ، وَبَيْنَ إكْرَاهِ الْعَبْدِ فَلَمْ يُجِزْهُ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الطَّلاَقُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ النِّكَاحُ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ لِلسَّيِّدِ احْتِبَاسُ بُضْعِ الأَمَةِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ بُضْعَهَا غَيْرَهُ. قال أبو محمد: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهُ لَكَانَ هَذَا أَسْخَفَ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ، لأََنَّهُمْ لَمْ يُوَافِقُوا عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ بِيَدِ الْعَبْدِ، بَلْ جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا يَقُولاَنِ: الطَّلاَقُ بِيَدِ السَّيِّدِ لاَ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ تَمْلِيكَ بُضْعِ الأَمَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا لِنَفْسِهِ فَسُخْفٌ مُضَاعَفٌ، لأََنَّهُ لاَ خِلاَفَ أَنَّ لِلرَّجُلِ احْتِبَاسَ بُضْعِ زَوْجَتِهِ لِنَفْسِهِ أَفَتَرَاهُمْ يَقِيسُونَ عَلَى ذَلِكَ تَمْلِيكَ بُضْعِهَا لِغَيْرِهِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ إكْرَاهَ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ سَوَاءً عَلَى النِّكَاحِ، احْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضًا. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الأَمَةِ وَالْعَبْدِ: لِسَيِّدِهِمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يُكْرِهُونَ الْمَمْلُوكَ عَلَى النِّكَاحِ وَيُدْخِلُونَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ الْبَيْتَ، وَيُغْلِقُونَ عَلَيْهِمَا الْبَابَ. قال أبو محمد: أَمَّا قوله تعالى فِي إنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ فَإِنَّهُ عَطَفَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَمْرِهِ بِالنِّكَاحِ الأَيَامَى مِنَّا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِنَّ رِضَاهُنَّ، فَلْيَلْزَمْهُمْ أَنْ يُجِيزُوا بِذَلِكَ إنْكَاحَ الْحُرَّةِ الثَّيِّبِ وَإِنْ كَرِهَتْ إنْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ الْفَاسِدَ. فَإِنْ شَغَبُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ: فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، لأََنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ رضي الله عنه لِسَيِّدِهِمَا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقَ فَقَوْلٌ صَحِيحٌ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَهَبَهَا لَهُ وَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَنْتَزِعَهَا مِنْهُ كَمَا يَنْتَزِعُ سَائِرَ مَالِهِ وَكَسْبِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ: فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
|